الإسلاميون...صدمة الحكم!!






بقلم علي الغنبوري

الكل تابع كيف وصل الإسلاميون الى سدة الحكم في عدد من الأقطار والدول في المنطقة العربية، مباشرة بعد الربيع العربي، وكيف وجدوا أنفسهم كقوة منظمة، بدون أي منافسة سياسية داخل الشارع، حيث استطاعوا اكتساح المشهد السياسي العربي وتمكنوا من الظهور كبديل سياسي قادر على قيادة هذه الدول واصلاح احوالها.

لن اتحدث في هذا المقال عن أسباب انهيار المشاريع السياسية المنافسة للإسلاميين ولا الأيديولوجيات التي كانت مهيمنة في الوسط العربي لسنوات، رغم انها من بين الأسباب الحقيقية لهذا الظهور القوي للإسلاميين، ولكن سأقتصرعلى الحديث فقط على الصدمة التي واجهها الإسلاميون وهم داخل الحكم، وكيف فشلوا في الإصلاح، وكيف فقدوا عوامل جذبهم السياسي.

 لقد بنى الإسلاميون مشروعهم السياسي بشكل كلي وتام على المعطى الديني، فالدين بالنسبة لهم هو المنطلق والوسيلة والغاية، فقد اعتبروا وامنوا، ان الهيمنة السياسية والوصول الى الحكم لا يمكنه ان يتم الى عبر الدين وعبر الاستغلال السياسي للدين، باعتبار ان الدين هو الخطاب الأكثر قدرة على استمالة الجماهير والتأثير فيها وتوجيهها.

صاغ الإسلاميون تحلليهم السياسي على منطق مشوه، فصل الدين عن تمتلاته الحقيقية لدى الشعوب، التي تؤمن بالدين بمنطق الإصلاح والتطور والارتقاء الدنيوي، بمعنى ان الاختيار السياسي للشعوب المبني على الدين يهدف بالأساس الى تحقيق العدالة الدنيوية وخلق شروط الحياة الكريمة والرفاهية الاجتماعية قبل أي شيء، فالدين بالنسبة للشعوب، صحيح انه علاقة عبادة ولكنه في نفس الوقت أداة ونمط لخلق شروط التدبير النزيه والشفاف، الذي يحقق التطور والمساواة ويغير الظروف المجتمعية الصعبة ويحقق التنمية.

وصول الإسلاميين للحكم ، لم يكن بناء على مشروع سياسي واضح ومتناسق ، فيه اهداف تنموية وبرامج للتطور والرقي وبدائل للإصلاح والبناء المؤسساتي والاجتماعي والاقتصادي، بل كان انطلاقا من برنامج تهييجي اعتمد على الدين في شقه العقائدي ، معتقدين ان اشباع الفراغ الروحي داخل المجتمع سيكون كفيلا بالسيطرة والهيمنة السياسية .

صدمة الإسلاميين وهم داخل الحكم، لم تكن تتجسد في تعامل الشعوب معهم ، بل كانت في اكتشافهم لمدى عمق التطور والتغيير الذي طال الشعوب ، التي لم تعد بديهيات الجوع و الصبر من اجل الدين تجدي معهم نفعا ، فهم اليوم اصبحوا يعون بشكل كبير معنى الدين ، وان الحكم السياسي يجب ان يبنى على تحقيق متطلباتهم وطموحاتهم ويغير

من واقعهم الاجتماعي والاقتصادي .

هذا الادراك الذي توصل اليه الإسلاميون، حطم حتى بعض معتقداتهم وتوابثهم السياسية، خاصة ان الفشل الذي عاشوه لم يكن فشل عقائدي، بل كان فشلا سياسيا ذريعا، وعدم الفشل العقائدي لا يعني انهم كانوا ناجحين دينيا، بل كانوا ناجحين فقط فيما يتعلق بإخلاصهم لتصورات وتفسيرات وتأويلات دينية ماضوية اسقطوها على واقع مستقبلي مغاير، فأدت الى فشل سياسي ذريع.

المشروع السياسي المبني على الخطاب الديني مساره لن يكون الا الفشل، فما يعيشه العالم اليوم من متغيرات وتحولات عميقة طالت كل انساق الحياة، لم يعد ممكننا معها اليوم الارتهان الى بديهيات وتأويلات ماضوية، والى غياب لانساق وتصورات مادية للتطور الاجتماعي والاقتصادي، فتجربة صعود الإسلاميين للحكم، اثبتت بالملموس ان الخطاب الديني لدى الشعوب ما هو الا عامل تهيييج سرعان ما يزول اثره في غياب التدبير العقلاني والتطور والإصلاح المادي للمجتمع والدولة.

سقوط الإسلاميين بذلك الشكل الدراماتيكي الذي شاهدناه، لم يكن بسبب التضييق او الاستهداف الذي حاول البعض الترويج له ، بل كان بسبب الانسداد السياسي الذي عانى منه الإسلاميين في غياب تام لتصورات مادية وعقلانية للتدبير و لتحريك عجلة الإصلاح و التطور المجتمعي الذي راهنت الشعوب لتحقيقه على الجانب الأخلاقي الذي حمله الخطاب الديني للإسلاميين قبل الوصول الى الحكم .

فشل الإسلاميين ليس فشل سياسي مرحلي ، بل هو فشل عميق طال بشكل كبير صورتهم و مفاهيمهم و خطابهم ، و قدرتهم على الاستمرار في العيش السياسي بالاعتماد على هذا النهج المحطم، الذي كرس لوعي وادراك متقدم لدى الشعوب، بان الخطاب السياسي المبني على الدين و ان كان محمل بشحنات أخلاقية كبيرة ، فهو غير قادر على تلبية طموحاتهم  وتطلعاتهم في الحياة المجتمعية الكريمة وتحقيق التنمية والتطور، لأنه في غياب مشروع سياسي متكامل وواضح المعالم  بأهداف و استراتيجيات مادية ، سرعان ما يسقط هذا الخطاب الأخلاقي في متاهة الفشل.

 

 

  

    

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم