بقلم علي الغنبوري
أبرز ما يمكن ان يطلق على الحكم في عهد جلالة الملك محمد السادس، هو التحدي، تحدي البناء والنماء، تحدي التطور، تحدي دفع المغرب الى مصاف الدول المؤثرة والقوية، فحكم جلالته تميز بشكل بارز بهذه التحديات والأهداف الكبرى التي تجسدت يوما بعد يوم، من خلال سياسة حكيمة ورؤية استراتيجية، غيرت من شكل المغرب ومن موقعه على المستوى الإقليمي والدولي.
إذا كانت التنمية والتطور هدفان سعى المغرب في ظل حكم جلالة الملك محمد السادس للوصول اليهما، فان هذا الوصول، انطلق من خلال انساق مترابطة ومتوازية ومنسجمة من الإصلاحات والتحديثات العميقة التي همت مختلف المجالات والميادين، أشرف جلالته على القيادة الفعلية والميدانية لها.
تطور المغرب ونماءه وقوته ومناعته، لم تعد تخطئه الاعين سواء على المستوى الداخلي او الخارجي، فكما يقول جلالة الملك محمد السادس، مغرب اليوم ليس مغرب الامس، فمغرب اليوم يصنع وينتج ويصدر ويوفر الغذاء لشعبه ولباقي الشعوب، مغرب اليوم يصنع الامن ويحافظ عليه محليا ودوليا، مغرب اليوم قوي بنموذجه المؤسساتي والديمقراطي المتفرد في محيطه الإقليمي والقاري، مغرب اليوم نموذج حضاري منفتح دينيا وثقافيا يقود مشروع التحديث والامن الروحي محليا وقاريا.
عهد جلالة الملك محمد السادس، هو عهد الانطلاق الفعلي نحو بناء المغرب الذي يعتز كل ابناءه بالانتماء اليه، فما تحقق خلال هذا العهد سواء على المستوى السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي، يجعل من كل المغاربة ليس فقط فخورين بوطنهم بل منخرطين بشكل أكثر وعي وأكثر إدراك خلف جلالته في مسيرة كسب هذه التحديات والرهانات الكبرى المطروحة على بلدهم.
الحديث عما تحقق في عهد جلالة الملك محمد السادس، يقودنا بشكل مباشر الى أربعة مجالات أساسية مترابطة بشكل لا يقبل الفصل او التجزيئ، تميز عهد جلالة الملك محمد السادس وتظهر بشكل جلي حجم التضحيات والمجهودات التي بذلت من اجل تجاوز المعيقات والصعوبات، في سبيل تحقيق الأهداف وضمان نجاح الرهانات والتحديات المرفوعة.
المجال الاقتصادي ...نهضة شاملة ومستمرة
للوقوف على حجم التطور الاقتصادي الذي يعيشه المغرب في ظل حكم جلالة الملك محمد السادس، يكفي الاضطلاع على تطور الناتج الداخلي الخام للبلاد منذ سنة 1999 الى اليوم، فهذا المؤشر الاقتصادي المركزي انتقل من 42 مليار دولار سنة 1999 الى 134 مليار دولار سنة 2022، بمعنى انه تضاعف ثلاثة مرات، ما يبرز الحجم الهائل للمتغيرات والإصلاحات والعمل القوي الذي تم القيام به في المجال الاقتصادي.
الوصول الى هذه النتيجة الكبيرة، لم يكن ليتحقق بدون قيادة رشيدة وبدون رؤية استراتيجية واضحة تعرف من أي تبدأ والى اين تريد الوصول، فالمغرب ومنذ صعود الملك محمد السادس للحكم، تحول الى ورش مفتوح للإصلاحات والمشاريع الهيكلية الكبرى في كل المجالات الاقتصادية والبنيات التحتية الكبرى، التي غيرت من وجه المغرب وجعلته يتحول الى احدى اهم الوجهات الاستثمارية على المستوى القاري والدولي.
مغرب محمد السادس الذي انطلق سنة 1999 بشبكة طرق سيارة لا تتجاوز 300 كيلومتر هي اليوم تتجاوز 1800 كيلومتر، تمتد الى كل مناطق المغرب شمالا وجنوبا وشرقا، المطارات التي لم تكن تتعدى أصابع اليد اليوم هي ازيد من 39 مطار، الموانئ كأساس لأي تطور اقتصادي تطورت عدديا ونوعيا حتى باتت تنافس كبريات الموانئ العالمية، بل تتصدر التصنيفات القارية والإقليمية، من حيث الرواج التجاري الذي تعرفه وارقام المعاملات التي تحققها سنويا.
تطور الاقتصاد المغربي يتجلى كذلك في توجهه نحو الطاقات البديلة، كأساس مستقبلي للطاقة العالمية ، من خلال مشاريعه العملاقة في الطاقة الشمسية و الضوئية و الريحية ، حيث يتوفر على اكبر حقل شمسي في العالم( نور 1 و نور2)، هذا بالإضافة الى توجهه نحو الهيدروجين الأخضر و تطوير البنيات و المنشأت، وضوعه لخطة طموحة يستهدف من خلالها الرفع من اعتماده على الطاقات البديلة الى 52 في المئة في افق سنة 2030 ، و تجاوز حالة التبعية الطاقية للخارج ، و تصدير الطاقة الى الخارج .
رؤية التطور الاقتصادي التي قادها جلالة الملك محمد السادس ارتكزت بشكل أساسي على تحول المغرب الى بلد صناعي بامتياز ، يضمن سيادته الصناعية في كل المجالات ، من خلال مخططات استراتيجية صناعية متلاحقة و مكملة لبعضها البعض ، مكنت المغرب من رفع حصة الصناعة في المساهمة في الناتج الداخلي الخام الى ازيد من 20 في المئة ، و من تحقيق الريادة الصناعية في عدد من المجالات من ابرزها صناعة السيارات بما يقارب 750 الف سيارة على أساس سنوي مصنوعة بالمغرب بنسبة ادماج محلي تتجاوز 64 في المئة مع تحقيق ازيد من 11 مليار دولار كدخل سنوي من صادرات السيارات المصنوعة محليا ما جعل المغرب يتربع عرش القارة الافريقية في هذا المجال .
الريادة الصناعية للمغرب تجاوزت صناعة السيارات لتمتد الى مجالات صناعية متعددة، كصناعة الطائرات وصناعة الرقائق الالكترونية، الصناعات البتروكيماوية، والصناعات الكهربائية بالإضافة الى الصناعات الدوائية ، التي جعلت المغرب يتحول الى منصة صناعية رائدة في محيطه الإقليمي و القاري.
حيوية الاقتصاد المغرب و تطوره لا تتجلى فقط في التوجهات الصناعية المعلنة، بل تتجلى بالأساس في التنوع الاقتصادي الذي نهجه المغرب بتطوير كل المجالات الاقتصادية الممكنة، كالسياحة التي بات المغرب يعد من ابرز الوجهات السياحية في العالم بازيد من 13 مليون سائح سنويا و بعائدات سنوية تتجاوز10 ملايير دولار ، هذا بالإضافة الى الفلاحة التي تمكنت بفضل المخططات الاستراتيجية التي تم وضعها من مضاعفة الأراضي المزروعة و المسقية و من تطوير البنية التحتية الفلاحية المتطورة و من مضاعفة الإنتاج الفلاحي و تقوية الصادرات الفلاحية المغربية للتجاوز سقف 8 ملايير دولار سنة 2022 .
تطور الاقتصاد المغربي في عهد جلالة الملك، يستمد كذلك قوته من تطور النظام المالي المغربي ومن التوجهات المغربية نحو تعزيز الشراكات المختلفة عبر العالم ومن الانفتاح بشكل أكبر على المحيط القاري الافريقي بالاستناد على توجه ملكي مبني على شراكة جنوب-جنوب، مكنت المغرب من ان يصبح القوى الاستثمارية الاولى في غرب افريقيا والثاني على المستوى القاري ككل.
المجال الاجتماعي.. ورش مستمر من اجل كرامة دائمة
ما تحقق في عهد محمد السادس على المستوى الاجتماعي يعد ثورة حقيقية على كل المستويات، عنوانها الأبرز الكرامة الاجتماعية أساس الوطن القوي والمنيع، فمنذ تربع جلالة الملك على عرش اسلافه بدت توجهاته الاجتماعية واضحة للعيان، ليحقق المغرب قفزة اجتماعية هائلة طيلة حكم جلالته.
كثيرة هي الاوراش الاجتماعية التي تم فتحها طيلة العشرين سنة الأخيرة، لكن تبقى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومشروع تعميم الحماية الاجتماعية على كافة أبناء الشعب المغربي، اهم مشروعين اجتماعيين ميزا حكم محمد السادس طيلة 24 سنة الأخيرة. شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ابداعا ملكيا بامتياز، هدف الى التوجه المباشر نحو العنصر البشري بالمغرب، وجعله محورا أساسيا للتنمية الشاملة بالبلاد، عبر القضاء على كل اشكال العزلة والفقر والتهميش، من خلال اليات واضحة وبرامج عملية مكنت على مدار 18 سنة من تطوير البنية الاجتماعية للمغرب ومن تحقيق فرص متعددة للإدماج وللمساهمة الجادة في النهضة المغربية، مكنت المغرب من احتلال المرتبة الثالثة عالميا ضمن تصنيف البنك الدولي لأحسن البرامج والمبادرات الاجتماعية الهادفة.
وهمت محاور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خلال برامجها ومراحلها الثلاث كل المجلات، الصحية والتعليمية، المبادرات المقاولة، ذوي الاحتياجات الخاصة، النساء في وضعية هشة، فك العزلة عن الاحياء المهمشة، بناء المراكز وتقوية البنيات التحتية الاجتماعية والرياضية والثقافية، المساهمة في بناء المستشفيات والمدارس ودور الثقافة ومدارس التعليم الاولي، محاربة الفقر والهشاشة، وغيرها من المجالات المتعددة.
بالإضافة الى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يبقى مشروع تعميم الحماية الاجتماعية اهم مشروع اجتماعي مغربي منذ استقلال المغرب، حيث يهدف هذا المشروع الملكي الى تعميم 4 خدمات اجتماعية أساسية على عموم المغربيات و المغاربة، حيث سيشمل هذا المشروع، تعميم التغطية الصحية و تعميم التعويضات العائلية و معاشات التقاعد و تعويضات فقدان الشغل على كافة أبناء الشعب المغربي.
بميزانية تفوق 57 مليار درهم بشكل سنوي بدأ المغرب منذ سنة 2022 على تنزيل هذا المشروع الاجتماعي الضخم عبر مراحل ستنتهي سنة 2026 بالوصول الى مرحلة التعميم الشامل، وهوما سيشكل نقلة اجتماعية هائلة تمكن أبناء الشعب المغربي من تحقيق التامين الاجتماعي الشامل الضامن لمقومات العيش الكريم في ظل الدولة الاجتماعية التي أرسي دعائمها جلالة الملك محمد السادس.
المجال السياسي والحقوقي ...بناء وكرامة
صحيح ان التقدم الاقتصادي والاجتماعي هو عنوان بارز لنجاح حكم الملك محمد السادس، لكن هذا التقدم لم يكن ليحصل بدون تطور المجال السياسي والحقوقي، فتطور وتقدم هذين المجالين هو الضمانة والأساس الصلب لأي تقدم اقتصادي واجتماعي، فإشراك المغاربة في تطوير وتقدم بلادهم لم يتم الى عبر تعزيز مكتسباتهم السياسية والحقوقية وصون كرامتهم.
انفتاح المجال السياسي المغربي و تطوره ، تجسد من خلال الإصلاحات السياسية الكبرى التي كان وراءها جلالة الملك محمد السادس ، في مقدمتها دستور 2011 الذي شكل اهم نقلة ديمقراطية في تاريخ المغرب ، والذي قوى صلاحيات البرلمان والحكومة وطور البناء المؤسساتي الديمقراطي المغربي في توجه تام نحو تكريس فصل حقيقي للسلط وتعزيز الاختيار الشعبي كأساس مركزي للحكم، هذا بالإضافة الى القوانين المتعددة التي همت تطوير البنية السياسية المغربية ، كقانون الأحزاب، والقوانين الانتخابية ، وضمان التوجه السليم نحو احقاق المناصفة كاختيار ديمقراطي طوعي للمغرب .. وغيرها من الإصلاحات الهامة والمتعددة التي همت المجال السياسي المغربي.
انفتاح المجال السياسي المغربي واكبه كذلك انفتاح حقوقي قوي، جعل المغرب يشكل استثناء حقيقي في محيطه الإقليمي والقاري، من خلال تبني صريح للمنظومة الحقوقية واسقاطها بشكل مباشر و فعلي على كل توجهاته و اختياراته، حيث شكلت تجربة الانصاف والمصالحة التي قدمها الملك محمد السادس، كمبادرة جريئة لتجاوز الماضي الأليم لانتهاكات حقوق الانسان في المغرب ، احد اشجع المبادرات التي عاشها المغرب والتي شهدها العالم ، حيث اعترفت من خلالها الدولة بمسؤوليتها عما وقع من تجاوزات لحقوق الانسان في الماضي وتعهدت بعدم تكرار الامر، و عملت على انجاز مصالحة تاريخية عبر جبر الضرر الجماعي و الفردي للضحايا.
تعزيز وتحصين المكتسبات الديمقراطية، ظهر جليا طيلة حكم الملك محمد السادس، حيث أصبحت ثقافة حقوق الانسان جزءا لا يتجزأ من العيش اليومي للمواطن المغربي، من خلال القوانين المختلفة التي تؤطرها ومن خلال المؤسسات الساهرة على احترامها ومن خلال كذلك الانخراط القوي للمغرب في المصادقة على الاتفاقيات الدولية في هذا الصدد، وايضا من خلال الممارسة اليومية لمختلف الحريات والحقوق.
المجال الدولي ...علاقات متنوعة وتأثير قوي
يبقى المجال الدولي أبرز تجلي لقوة وتفوق المغرب في عهد الملك محمد السادس، خاصة في ظل الوضعية المتميزة التي بات يتمتع بها المغرب في مجاله الإقليمي والقاري ومحيطه الدولي، من خلال علاقات متعددة وانفتاح كبير على شركاء متعددين من كل مناطق المعمور.
دينامية دولية كبيرة يقودها الملك محمد السادس، مكنت المغرب من ان يصبح رقما مهما في المعادلة الإقليمية والدولية، انعكست بشكل جد إيجابي أولا على مسار عدالة قضيته الوطنية الأولى ، ومكنته من كسب تأييد عدد من القوى الدولية لوحدته الترابية كالولايات المتحدة الامريكية واسبانيا وألمانيا و عدد كبير من دول العالم ، بالإضافة الى ثلتي الدول الافريقية ، و ثانيا على مستوى التنمية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية ، حيث بات يحتل المرتبة الثالثة عالميا والأولى افريقيا من حيث استقطاب الاستثمارات الأجنبية .
توهج العلاقات الدولية للمغرب، ستظهر كذلك بشكل قوي داخل القارة الافريقية وخاصة بعد عودته الى صفوف الاتحاد الافريقي، حيث انطلق المغرب بقيادة الملك محمد السادس في تطوير علاقات جديدة وقوية مع مختلف الدول الافريقية انطلاقا من منطق رابح رابح وفي اطار التعاون جنوب جنوب، حيث قام الملك محمد السادس بأكثر من 50 زيارة دولة لأكثر من 30 دولة افريقية توجت بتوقيع ازيد من 1000 اتفاقية شراكة ، همت مختلف المجالات و الميادين .
زخم العودة الافريقية، رافقته قوة استراتيجية متكاملة، تنطلق من قدرة المغرب على الحفاظ على الامن داخل القارة وعلى مساعدة الدول الافريقية في مسار البناء المؤسساتي وعلى التقدم التنموي وعلى الحفاظ على الامن الروحي والحماية من التطرف وتجفيف منابع الجماعات الإرهابية.
ما يقدمه المغرب اليوم تحت قيادة الملك محمد السادس للقارة الافريقية، يجعل منه مدخلا رئيسا لهذه القارة وقاطرة رئيسية للتنمية والامن والاستقرار داخلها، وشريكا موثوقا لدى مختلف الفاعلين الدوليين والشركاء الاقتصاديين داخل هذه القارة، فالمغرب تحول الى رافعة حقيقية للتقدم والازدهار داخل افريقيا، يحظى باحترام وثقة غالبية دولها وشعوبها.
تطور العلاقات الدولية للمغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس، لا تقتصر فقط على الفعل الخاص بالمغرب بل تمتد كذلك الى مختلف القضايا الإقليمية و الدولية، حيث بات صوت المغرب حاسما ومسموعا لدى المنتظمات الدولية، كما لم يعد بالإمكان تجاوزه في عدد من القضايا الدولية ، كملف المصالحة الليبية و ملف الإرهاب والهجرة غير النظامية.. وغيرها من القضايا الشائكة التي اثبت المغرب من خلالها كفاءته و ثقة المجتمع الدولي به .
24 سنة من حكم الملك محمد السادس، عاش المغرب خلالها مختلف التحديات والمعارك المصيرية، التي تمكن بفضل حكمة القيادة الرشيدة لجلالته من كسبها، ومن وضع المغرب على سكة التقدم والازدهار في ظل محيط إقليمي مضطرب، شكل المغرب داخله الاستثناء المتميز، بتطور نموذجه السياسي وباستقرار منظومته الاجتماعية، وبتفوق اقتصاده وتنوعه، وقوة علاقاته الخارجية المبنية على الاحترام والثقة، وعلى مساهماته الكبيرة في حفظ السلم والامن الدولي.
.
