الاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية ...حماية الديمقراطية التمثيلية

 






بقلم علي الغنبوري 

إذا كان للتحالف السياسي الذي أعلن عنه حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، من هدف فلن يكون سوى حماية النموذج الديمقراطي المغربي من المخاطر المقلقة التي باتت تلوح في سماء الساحة السياسية المغربية، ولعل اهمها، هو فقدان المشروعية والمصداقية السياسية، حيث نسير بسرعة كبيرة نحو مرحلة التجاوز الكلي لمختلف الاليات والمؤسسات التمثيلية داخل منظومتنا الديمقراطية.

 

 من المؤكد ان هذا الوضع ليس وليد اللحظة، لكنه اليوم أصبح يظهر بشكل واضح لا يدع اي مجال للشك، فنحن نعيش على وقع انحسار المجال السياسي، وضياع المجهود الديمقراطي في شقه التمثيلي، وظهور اختلالات خطيرة باتت تهدد البناء الديمقراطي المغربي ككل، فاذا كانت الديمقراطية التمثيلية هي الالية الانسب لضمان البناء الديمقراطي السليم للمؤسسات الوطنية، من خلال اشراك التعبيرات السياسية الحقيقية داخل المجتمع، وتمكين المواطنين من اختيار تمثيلهم السياسي المناسب لقناعاتهم واختياراتهم وتطلعاتهم، فان هذا الامر ضرب في مقتل خلال تشكيل الحكومة الحالية، بتوافق غريب بين مكوناتها على افراغ النموذج الديمقراطي التمثيلي المغربي من محتواه، وتوجهها بشكل متعمد نحو فرض توجه متغول ضرب كل التوازنات السياسية والمؤسساتية التي راكمها المغرب.


 الهيمنة على المؤسسات التمثيلية وتعطيل التعدد السياسي، وإيقاف مسار الفعل المؤسساتي المبني على النقد والمساءلة، وتعطيل دور المعارضة المؤسساتية، والانفراد بالقرار التدبيري، وتبني توجهات تكنوقراطية خالية من أي بعد سياسي، لم يسهم الا في تأزيم النموذج الديمقراطي، وأفرغ المؤسسات التمثيلية من محتواها، ودفع الى ظهور اشكال جديدة من الاحتجاج خارج أي تنظيم او شرعية وبدون أي سقف او تأطير سياسي واضح. 


الخطير في الامر ان هذه الهيمنة لم تكن انطلاقا من منافسة سياسية موضوعية وعادلة، تسعى الى خلق فرز سياسي والى تطوير المعادلة الديمقراطية ببلادنا، بل تمت انطلاقا من ادخال مكونات غريبة عن الحياة السياسية، يشكل الفساد منطلقها الوحيد والأوحد، وما نعيش اليوم على وقعه من تفجر لقضايا الفساد لدى هذا العدد الكبير من برلماني ومنتخبي أحزاب الأغلبية يوضح بشكل جلي أسباب واهداف هذا التحالف المتغول. 


فالتوجه الذي ساد عند تشكيل الحكومة، بتعطيل أدوار المعارضة البرلمانية، ومنعها من حقوقها الدستورية، ولجم أدوارها فيما يخص التقصي والتحقيق والبحث في قضايا الفساد وتخليق الحياة العامة، جعل النموذج التمثيلي برمته غير قادر على الفعل السياسي وحوله الى متفرج ومستمع لدوي انفجارات هذه القضايا من خلال ما يدور داخل ردهات المحاكم.


خطورة ما نعيشه اليوم لا تكمن فقط في تنامي الفساد وتفجر قضاياه، بل الخطورة كل الخطورة ان تظل تبعاته حبيسة المحاكم بدون أي امتداد للمجال السياسي، فقضايا الفساد المتفجرة اليوم يجب ان يكون لها ثمن سياسي واضح، يروم إعادة ترتيب الوضع السياسي برمته، بحيث نشهد العودة الى المنطق السياسي السليم المبني على العروض السياسية وعلى شفافية الفعل، بما يضمن إعادة التوازن والجاذبية للنموذج الديمقراطي، فتغول التحالف الحكومي لم يعد له أي معنى في ظل التوجهات الحالية للمغرب الهادفة الى تحقيق الإقلاع الاقتصادي و الاجتماعي و التحول الى مصاف الدول الصاعدة ، فبدون محاربة الفساد و بناء جو سياسي تنافسي بفاعلين حزبيين حقيقيين يترجمون تعبيرات المجتمع ، و تعزيز الثقة في جاذبية و فعالية النموذج الديمقراطي لن نزيد الا في تكريس ازمته و ندفع به الى المجهول  .


ما يقدمه الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية اليوم من خلال تحالفهما وما صدر عنهما من مواقف مشتركة، هو فهم وإدراك حقيقي لطبيعة الازمة التي يعاني منها نموذجنا الديمقراطي التمثلي، وهو خطوة ضرورية من حزبيين وطنيين كبيرين للمساهمة الجادة في طرح بديل سياسي جاد و موضوعي، يروم بالأساس إعادة الطرح السياسي الى سياقه الأصلي، و الخروج من دائرة الهيمنة التي فرضتها الأغلبية الحالية على مختلف المؤسسات التمثيلية، ويجعل مؤسسات الديمقراطية التمثيلية الاطار الحقيقي الذي تتواجد فيه كل مكونات الشعب المغربي. 


وعي الحزبين بحاجة البلاد الى رؤية و فعل سياسي يعيد احياء مقومات النموذج الديمقراطي التمثيلي، في مواجهة الطروحات السياسية المشوهة، هو وعي وطني عميق يستحضر التحديات والرهانات المطروحة على بلادنا، ويحصن المجال السياسي، و يتصدى لكل التوجهات العبثية التي تسعى الى تخريب المنظومة السياسية ، ويعزز مكانة المؤسسات ودورها المركزي في البناء الديمقراطي، الذي يعتز الكل بالانتماء اليه، فلا ديمقراطية بدون عملية سياسية سليمة مبنية على تخليق الحياة العامة، وبدون نخب سياسية وطنية قادرة على تمثيل وترجمة تطلعات وانتظارات الشعب المغربي.



  


إرسال تعليق

أحدث أقدم