علي الغنبوري
من المؤسف أن يكون اختيار عنوان هذا المقال بالشكل المقدم اعلاه ، حيث يصبح الموت و النهاية صفات و نعوت يتصف به المشروع اليساري في المغرب ، لكن الحقيقة لا تختلف عن هذا العنوان ، فاليسار التنظيمي الحالي جثة هامدة غير قابلة للإنعاش او الاحياء .
نهاية اليسار في المغرب ، مرتبطة بشكل اساسي بتنظيمات و افراد و فعاليات ، امسكت بزمامه و بتفاصيله ، و اوصلته الى النهاية ، بدون اي تردد او اسف ، حيث سجنته في قوالب تنظيمية مليئة بالتناقضات و الصراعات و احكمت السيطرة على الانتماء اليه ، و جعلته خاضعا لمنطق تنظيمي محافظ ، لا يقبل اي تغير او تطور .
و اذا كان اليسار يعني قيم و مبادئ و اصطفافات سياسية مبنية على الحداثة و الديمقراطية و العدالة المجتمعية و كل التراكمات الإشتراكية التحررية و التقدمية ، فإن شرط التنظيم الحزبي و الانتماء اليه الذي ارتبط باليسار المغربي ، افقد هذه المبادئ حيويتها و ضرورتها ، و جعل اليسار يتلخص في تنظيمات و اطارات سياسية جامدة تحتكر الفكرة و المشروع اليساري المغربي .
هناك من سيعتبر ان اليسار كفكرة و قناعة ، موجود و مترسخ داخل المجتمع المغربي ، لكن ترجمة هذا الوجود و تفعيله على شكل مشروع سياسي ، لا يمكنه ان يتأتى الى عبر إطار تنظيمي حقيقي ، ينافس سياسيا و انتخابيا ، و يؤطر و يكون افراد المجتمع على قيم و دينامية و مبادئ و قيم اليسار .
وجود هذا الإطار السياسي المجسد للمشروع اليساري ، لا يمكنه القيام و الوجود في ظل الاطارات اليسارية الحالية ، و لا في ظل الاحتكار المقيت لبعض الفعاليات و النخب لهذا المشروع ، فهذه الاطارات تحولت الى مقابر جماعية لليسار و المنتمين اليه ، لا تنتج الا مزيدا من الانهيار ، و لا تعمل الا على إطالة عمر نهاية اليسار .
للاسف نحن اليوم أمام يسار ماضوي ، لا يؤمن بالتغيير ، و لا يسعى الى التجديد ، و يصر على مواصلة انتاج الفشل ، و نخبه مغيبة عن الواقع المجتمعي تعيش في قواقع و فقاعات بعيدة عن المجتمع ، و هي غير قادرة على مواكبة المتغيرات الهائلة التي طرأت على كل المستويات الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و السياسية ، حيث تحولت هذه النخب الى ما يشبه شيوخ الدين او بمعنى اوضح حراس المعبد ، ينتجون خطابا متهالك و ممارسة سياسية متجاوزة .
لم تعد اليوم المقاربات الثورية و الإشتراكية بشكلها الجامد ، تستهوي او تقنع المجتمع المغربي المرتبط بشكل وثيق بكل ما يقع من تطور و تقدم على المستوى الدولي ، فتشبت اليسار "التنظيمي" المغربي بهذه المقاربات و التحاليل العتيقة ، دون تغير و دون تطوير و دون تماشي مع المتغيرات الكبيرة التي طرأت على البنيات المجتمعية المتعددة ، لن يكرس الا مزيد من العزلة و الغربة السياسية .
اليسار اليوم محتاج إلى تسريع عملية التحلل و التفكك التنظيمي ، و تحرير الارواح السليمة داخله من قيود الاليات التنظيمية الحالية ، و تطوير مناهج تحليله و استنتاجاته المجتمعية و السياسية و الاقتصادية ، و تطوير فكرته السياسية و جعلها مرتكزة على الديمقراطية والحداثة و العدالة الاجتماعية ، كاساس و منطلق لاي فعل و ممارسة سياسية من طرفه ، و توضيح هويته الوطنية و تنقيتها من كل الشوائب التي قد تؤثر عليها .
للاسف مشاريع الوحدة اليسارية المتداولة اليوم ، تصر على شرط الإطار التنظيمي الموحد للكيانات اليسارية القائمة ، دون اي استحضار او تحليل للواقع الحقيقي للفكرة اليسارية ، و دون اي اقتراح او توجه لتعديلها و تطويرها ، بما يقطع مع مسببات الفشل الذي راكمته هذه الاطارات التي تنشد الوحدة .
اليسار اليوم لم يعد قادرا على خلق الدينامية السياسية ، و لم يعد قادرا على تمثيل و تجسيد امتداداته المجتمعية ، و لم يعد كمصطلح يرمز للاختيارات الجديدة للمجتمع النابعة من فكرته ، فمصطلحات مثل الصف الديمقراطي و الحداثي اصبحت أكثر قدرة على النفاذ و تحديد نوعية الاصطفافات داخل المجتمع .
نهاية المشروع اليساري ، لا تعني موت فكرته ، بل يعني موت المشروع الذي تقوده بعض الاطارات التنظيمية اليسارية ، التي لا تريد أن تستوعب حجم التطورات و المتغيرات الفكرية و السياسية التي طالت الدينامية المجتمعية ، و التي تصر على الإبقاء على نفس مناهج التحليل و الشعارات العتيقة التي ارتبطت باليسار تاريخيا ، و التي لم تعد قابلة للتحقق.
