من بين اخطر انواع التجارة الموجودة ، هي تجارة الامل ، فهي تجارة سريعة الربح ، و غير قابلة للكساد ، و الطلب عليها لا يتوقف ، خاصة في ظل وجود الاحباط ، فهي تشكل الدواء الجاهز و السريع لكل انواع الاحباط .
من يقرر التجارة بالامل ، هو بالاصل مخادع و كاذب ، فهو يعلم ان بضاعته مجرد كلام منمق ، يحمل كثيرا من مقادير القمار ، قمار بكل تاكيد حول المستقبل و التغيير ، فهو يبيع كلام يدخل المشتري الى عالم من الأحلام ، يضعه امام خيار وحيد للخروج من دائرة الاحباط التي تطوقه ، هو شراء بضاعته الكلامية الوردية اللون .
تجارة الامل ، لا تقتصر فقط على الاحباط الشخصي ، بمعنى انها لا تستهدف فقط الفرد ، بل يمكنها أن تتعدى ذلك الى الجماعة ، حيث تستولي على الامل داخل هذه الجماعة ، و ترسم معالمه بشكل كاذب و مضلل ، و توجه نحو الربح ، سواء كان مادي او معنوي ، المهم هو بيع البضاعة ، مهما كان المقابل .
و تشتد خطورة هذه التجارة ، حينما تستهدف المجال السياسي ، فهي تستولي على الامل داخل المجتمع ، و توجه أفراده نحو شراء بضاعة تجارها ، و تجعلهم مؤمنين بقدرة هذه البضاعة الكلامية على منحهم التغيير و الاصلاح و العيش الكريم الذي ينشدونه .
هذا بالضبط ما حصل ببلادنا ، عندما خاضت جوقة الاحزاب المشكلة للحكومة ، حملاتها الانتخابية ، تحت شعار بضاعتنا قادرة على خلق التغير و على الاصلاح و على تحقيق العيش الكريم للمواطن المغربي ، و على جعل البلاد جنة اجتماعية على وجه الارض .
هذه الأحزاب ، لم تتوانى في استعمال كل فنون و مهارات التجارة المتعارف عليها ، من التسويق التجاري و الإشهار رقميا و واقعيا ،و الدعاية و البروباغندا ، و غيرها من الادوات التسويقية ، حيث رفعت سقف الامل لدى المغاربة إلى أقصى الحدود ، حتى اعتقد الجميع ان العصا السحرية تحملها بالفعل هذه الأحزاب ، و ان الواقع سيتغير بسرعة البرق ، و ان بضاعتهم غير قابلة للشك .
الحكومة و أحزبها ، قدمت الارقام بسخاء كبير ، و وزعت الوعود و المنجزات حتى قبل أن تضع يديها في المعمعة ، و تناست الظرفية الاقتصادية العالمية ، و تداعيات كورونا و الجفاف و الوضعية الاجتماعية الصعبة ، و شح الموارد ، و اختلال الميزانية ،و العجز التجاري و ارتفاع المديونية ، وباعت الامل في اقصى حدوده للمغاربة .
للاسف الحكومة و أحزبها ، أسقطوا من حساباتهم ، ان تجارة الامل ، لا تخضع لمنطق "ابيع بضاعتي و امضي"، فبيع الامل هو منطق اخر ، يخضع للحساب و لتبعات اجتماعية و سياسية كبيرة ، قد تذهب بالفضل و راس المال ، و قد تهز اركان السوق بأكمله .
تهييج الامل لدى المغاربة ، لن يمر مرور الكرام ، و لن يكون بدون تبعات ، خاصة في ضل كساد البضاعة المقدمة لهم ، فالحكومة عاجزة اليوم عن تحقيق ابسط وعودها ، بل مشلولة تماما امام تفاقم الأوضاع الاجتماعية ، و لا تملك اي رؤية لمواجهة الأزمة الاجتماعية التي بدأت تلوح في الأفق.
الخطير في الامر ، ان هذه الحكومة و أحزبها ، لم تكتفي فقط ببيع الوهم للمغاربة ، بل انها عملت على الحجر على مؤسساتهم المنتخبة ، و طوقتها من جميع النواحي ، و تدفعهم دفعا نحو الابتعاد عنها و جعلها قواقع فارغة لا تمثلهم ، و هو ما يهدد استقرارهم و وحدتهم ، و يجعل البلاد رهينة ردود اجتماعية غير مؤطرة و غير معروفة العواقب .