كثيرون و عديدون هم من يثيرون النقاش حول نموذج الاتحاد الاشتراكي داخل المجال اليساري اليوم ، هل هو نموذج ناجح يجب الاقتداء به ، ام انه نموذج مفلس يجب تركه و عدم الاقتداء به ؟
الجواب على هذا السؤال يجب ان ينطلق من نقاش احوال اليسار بمعزل عن الاتحاد الاشتراكي ، و تحديد وضعية أحزابه و تنظيماته و مكوناته بشتى تصنيفاتها و مواقعها ، بحيث لا يمكن ان تستقيم المقارنة الا بتحديد وضعية جميع الأطراف .
للاسف ما يعيشه اليسار اليوم بكل تنظيماته ، هو نوع من الإفلاس السياسي و التنظيمي و القيمي ، على جميع المستويات ، فاحزابه معزولة مجتمعيا و غير قادرة على الفعل و المبادرة السياسية ، و بدون اي ثأثير على الاحداث و الوقائع الوطنية .
تنظيمات ترفع شعارات و قيم ، مليئة بشحنات أخلاقية كبيرة ، سرعان ما تتهاوى عند اول امتحان سياسي او تنظيمي ، لتطفو الى السطح ، حقائق قيمية اخرى ، يطبعها الحقد و الصراع و الطعن و الأنانية و الاستفراد و الهيمنة ، كقيم مسيطرة على فعل هذه التنظيمات و المنتمين اليها .
و لعل مشروع الوحدة اليسارية الذي شكلت فيدرالية اليسار ، اهم واجهة له ، لخير دليل على حالة الإفلاس و الإزدواجية التي تطبع فعل و واقع اليسار المغربي ، خاصة في ظل المآل المؤلم و الكارثي الذي وصل إليه الوضع داخل هذه التجربة ، و انعاكاساتها على تنظيمات اليسار المشكلة لها .
في المقابل نجد الاتحاد الاشتراكي ، في وضع تطور مستمر ، بفعل سياسي اكثر موضوعية و اكثر براغماتية و نجاعة سياسية ، و قدرة على التأثير و المساهمة في كل القضايا الوطنية ، و بنضج تنظيمي متزايد ، رغم كل الظروف التي مر منها الحزب .
فالاتحاد الاشتراكي متواجد بكل المؤسسات الوطنية ، و يساهم بكل زخمه في مسار البناء الوطني ، و استطاع الصمود في كل المحطات الانتخابية ، و حافظ على هويته السياسية ، و فرض خطابه الحداثي الديمقراطي الاجتماعي ، كمحدد و حيد و واضح لفعله و ممارسته السياسية .
هذه المقارنة المقتضبة لأحوال اليسار بشكل عام و الإتحاد الاشتراكي بشكل خاص ، تجعلنا نخرج بخلاصة واضحة ، مفادها ، ان اليسار اليوم و بكل تنظيماته و المنتمين اليه ، ليسوا في موضع او موقع من يمكنه تقديم الدروس للاتحاد الاشتراكي و مناضليه ، فهم ليسوا بالنموذج الذي يحتدى به ، و ليسوا مؤهلين من الناحية السياسية و التنظيمية و القيمية ، لاصدار الأحكام حول الاتحاد الاشتراكي .
ما يقدمه الاتحاد الاشتراكي ، اليوم ، هو فعل تنظيمي و سياسي ، استثنائي ، في ظل وضع سياسي مضطرب و مشوه ، تسيطر عليه محددات غير سياسية ، و غير مبنية على منطق محدد ، لهذا فالاتحاد الاشتراكي يشكل استثناء يساري بامتياز .
ما يتعرض له الاتحاد الاشتراكي ، و مؤسساته الشرعية اليوم، ما هو الا تمظهر لحالة الفشل التي تتملك البعض ، و ما هو كذلك الا جزء من مسار علاقة معقدة تجمع البعض بالاتحاد الاشتراكي ، يطبعها شعور بالاتكال على الاتحاد الاشتراكي في جر قاطرة معطوبة لليسار .
الاتحاد الاشتراكي اليوم هو اكثر تحررا من منظومة يسارية منغلقة و متأكلة ، و غير قابلة للتجديد و التطور ، و هو متجه الى تدعيم وجوده و فعله السياسي الديمقراطي الموضوعي ، وفق مقاربة تنظيمية و سياسية اكثر انفتاحا و اكثر وضوحا ، قادرة على ضمان تواجد الفكرة اليسارية الديمقراطية بكل زخم و قوة .