يبدو ان الجزائر و صنيعتها البوليزاريو ، قد فقدتا ، اي قدرة على الاستشراف او التخطيط الاستراتيجي للادراة الصراع مع المغرب ، حيث اصبحتا عاجزتان ، عن مجاراة النسق السريع و القوي للمغرب في تعاطيه مع ملف الصحراء المغربية .
الجزائر التي احتضنت البوليساريو لعقود طويلة من الزمن ، و التي جعلتها امتدادا للعقيدة العسكرية التي تقوم عليه ، باتت اليوم خارج دائرة الفهم الصحيح ، لما يجري بالمنطقة ، و لم تعد قادرة على انتاج اي فعل يتناسب مع التطورات و المتغيرات العديدة التي طالت المنطقة ، حيث ظلت قابضة على جمر مقاربة عسكرية متأكلة و متجاوزة ، توظف من خلالها البوليساريو كأداة لاستنزاف المغرب عسكريا و اقتصاديا و سياسيا .
تقوقع النظام العسكري الجزائري و انحسار تفكيره الاستراتيجي ، في ضمان التفوق العسكري على المغرب عبر ضخامة صفقات السلاح التي يبرمها ، و ابقائه على جبهة البوليساريو كشوكة في حلق المغرب ، جعله يعتقد ، انه يملك الورقة الرابحة في إدارة الصراع و تحجيم المغرب ، و جعله رهينا لمنطق الحرب التي تهدده ، لكن العقل العسكري الجزائري ، لم يدرك جيدا التحولات العميقة التي طرأت على المغرب ، و الامتدادات الدولية و الإقليمية التي بات يتمتع بها ، بالإضافة إلى القدرات العسكرية الحاسمة التي بات يمتلكها .
الجزائر و صنيعتها البوليساريو ، و في جهل تام للمعطيات على الارض ، حاولتا الضغط على المغرب ، عبر قطع طريق تواصله مع عمقه الافريقي ، محاولة بائت بالفشل امام تمكن المغرب من تحرير منطقة الكركرات و طرد عناصر البوليساريو منها ، في عملية نوعية و سريعة ، اعطت اول اشارة على جدية التعاطي الجديد للمغرب مع الاستفزازات التي تطاله ، و على القدرات الجديدة التي بات يتمتع بها .
للاسف الجزائر المتحكمة في البوليساريو ، لم تستوعب الخطوة المغربية ، و ظلت وفية لعقيدتها العسكرية و للمنطق القديم الذي كان يحكم علاقتها مع المغرب فيما يخص ملف الصحراء ، و دفعت البوليساريو الى اعلان نهاية وقف اطلاق النار و شن الحرب على المغرب ، في اقتناع تام ، ان المنتظم الدولي و المغرب سيدعنون للواقع العسكري الجديد ، بمنطقة حساسة و قريبة جدا من اوروبا .
خطة الجزائر ستصدم بواقع جديد ، فرضته ، قدرة المغرب على تكثيف تحالفاته الدولية ، و توظيفها في إعطاء الشرعية لعدالة قضيتها ، بالإضافة إلى الامكانيات العسكرية المتطورة التي أظهرا المغرب ، و التي جعلت أوراق الجزائر تسقط في الماء ، من خلال الضربات الموجعة و المركزة التي وجهتها القوات المسلحة الملكية لميلشيات البوليزاريو ، و التي جعلتها غير قادرة على التحرك شرق الجدار الأمني .
وفاء الجزائر لعقيدتها العسكرية و غياب أي تصورات استراتيجية لوقف التقدم المغربي لدى المتحكمين في شؤونها ، جعلها تتخذ اجراءات و مواقف متطرفة اتجاه المغرب ، لتأزيم المنطقة ، و التلويح بشبح الحرب ، و الضغط على المنتظم الدولي لوقف التفوق الاستراتيجي المغربي .
ضعف الفهم و قصور التصورات الاستراتيجية للنظام العسكري الجزائري ، و التحركات الإستعراضية لدبلوماسيتها ، جعلها تتصور ، انها قادرة على فرض شروط جديدة لوقف التوتر مع المغرب ، من خلال دعوتها المنتظم الدولي الى اقرار وقف اطلاق نار جديد بين المغرب و البوليساريو ، يعيد الوضع الى ما قبل تطهير الكركرات، و يفرض على المغرب واقع جديد.
المنتظم الدولي و خاصة القوى العظمى ، التي تعرف جيدا طبيعة الصراع و موازين القوى بين أطرافه ، و تعلم حقيقة الوضع على الارض ، و تدرك مصالحها و التهديدات التي قد تطلها ، لم تتردد و لو لحظة واحدة في الإحجام عن مجاراة الطرح الجزائري ، بل لم تكثرت له و لم تهتم بالضجيج القوي الذي لم يتوقف النظام العسكري الجزائري عن إصداره طيلة المدة الماضية .
خيبة الأمل الجزائرية ، ستتكرس من خلال قرار مجلس الامن الاخير ، الذي أكد التفوق الاستراتيجي المغربي ، وفضح الضعف الجزائري ، و أكد على جدية الطرح المغربي ، و فند كل المزاعم الجزائرية ، و جعل الوضع الذي فرضه المغرب على الارض ، امر واقع جديدا في مسار ملف الصحراء المغربية .