علي الغنبوري :تأثير الرسوم الأمريكية على المغرب بين التحديات وآفاق التطور

 




في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، أعلنت الولايات المتحدة مؤخرا عن قرار رفع الرسوم الجمركية على صادرات عدد من الدول، بما في ذلك المغرب، بنسبة 10%، هذا القرار الذي يندرج ضمن سياسة حمائية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأمريكي، قد يبدو في ظاهره تحديا للاقتصاد المغربي والمنظومة التجارية المغربية، لكن، ورغم الضغوط المحتملة، يمتلك المغرب من المقومات والمرونة ما يمكنه من تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتعزيز مكانته الاقتصادية وتنويع خياراته التجارية.


في البداية، يمكن القول إن تأثير هذه الرسوم على الصادرات المغربية إلى الولايات المتحدة قد يكون محدودا نسبيا، نظرا لأن السوق الأمريكية ليست الوجهة الرئيسية للمنتجات المغربية مقارنة بالسوق الأوروبية، فالمنتجات الفلاحية مثل الحمضيات والزيتون، إلى جانب الفوسفاط والنسيج، تشكل العمود الفقري للصادرات المغربية، ومعظمها موجه نحو أوروبا،وهذا الواقع يمنح المغرب هامشا واسعا للتعامل مع القرار الأمريكي دون التعرض لصدمة اقتصادية كبيرة.


بالإضافة إلى  ذلك، يتمتع المغرب بعلاقات تجارية متينة مع الولايات المتحدة بفضل اتفاقية التبادل الحر الموقعة عام 2006، فهذه الاتفاقية، التي ساهمت في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، قد تكون بمثابة درع يخفف من حدة التأثيرات السلبية للرسوم الجديدة، والمعاملة التفضيلية التي يحظى بها المغرب مقارنة بدول أخرى تعكس عمق الشراكة الاستراتيجية، مما يشير إلى أن هناك مجالا للتفاوض والتخفيف من تداعيات القرار.


من جهة أخرى، يمكن للمغرب استغلال هذا الوضع لتسريع وتيرة تنويع أسواقه التصديرية،فالاعتماد الكبير على السوق الأوروبية، رغم أهميته، يجعل الاقتصاد المغربي عرضة للتقلبات الخارجية، لذا يمثل هذا القرار حافزا لاستكشاف أسواق جديدة في إفريقيا وآسيا، حيث تتزايد الحاجة إلى المنتجات الزراعية والصناعية المغربية، مما يعزز من مرونة المنظومة التجارية.


كما أن الرسوم المرتفعة المفروضة على منافسي المغرب في السوق الأمريكية قد تتحول إلى ميزة تنافسية للمنتجات المغربية، ففي ظل انخفاض الرسوم الجمركية نسبيا على المغرب مقارنة ببعض الدول الأخرى، إلى جانب إمكانية التفاوض لمراجعة هذه الرسوم، يمكن للمغرب أن يعزز جاذبية منتجاته، و هو ما يتيح للمصدرين المغاربة فرصة للتموقع بشكل أفضل في السوق الأمريكية، خاصة إذا ما استثمروا في تحسين العرض والجودة.


في السياق ذاته، تبرز أهمية الاستثمارات الأجنبية في المغرب، خاصة في قطاعات مثل السيارات والطاقة المتجددة، كنقطة قوة يمكن البناء عليها، فالشركات الصينية والأوروبية التي اختارت المغرب كمنصة للإنتاج قد تجد في هذا القرار دافعًا لزيادة استثماراتها، مستفيدة من تكاليف الإنتاج التنافسية التي يوفرها المغرب مقارنة بالأسواق الأخرى، و هو ما يمكن أن يساهم نوعا ما في تعويض أي تراجع محتمل في الصادرات إلى الولايات المتحدة.


كذلك، يمكن للقطاع الخاص المغربي أن يلعب دورا محوريا في التكيف مع هذه التحديات. فالمصدرون المغاربة، بدعم من الحكومة، قادرون على تحسين جودة منتجاتهم وتكييفها مع متطلبات الأسواق العالمية، مما يعزز القدرة التنافسية، فعلى سبيل المثال، يمكن التركيز على تطوير الصناعات التحويلية للفوسفاط أو تعزيز القيمة المضافة للمنتجات الزراعية، مما يفتح آفاقًا جديدة للتصدير.


بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمغرب الاستفادة من موقعه الجغرافي الاستراتيجي كبوابة بين إفريقيا وأوروبا لتعزيز دوره كمركز تجاري إقليمي، فتطوير البنية التحتية، مثل ميناء طنجة المتوسط، يمكن المغرب من استقطاب المزيد من التجارة العابرة للقارات، مما يقلل من الاعتماد على أسواق محددة ويعزز الاستقلالية الاقتصادية.


على صعيد آخر، يشكل هذا القرار فرصة لتعزيز السيادة الاقتصادية الوطنية من خلال دعم الإنتاج المحلي، فزيادة الاستثمار في الفلاحة والصناعة المحلية، إلى جانب تحفيز الطلب الداخلي، يمكن أن يقلل من تأثير التقلبات الخارجية، حيث ان هذا النهج لا يحمي الاقتصاد فحسب، بل يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحسين مستوى المعيشة.


في الختام، ورغم التحديات التي يفرضها قرار رفع الرسوم الجمركية الأمريكية، فإن المغرب يملك كل الأدوات لتحويل هذا الوضع إلى فرصة للنمو والتطور، من خلال تنويع الأسواق، تعزيز الإنتاج المحلي، الاستفادة من الرسوم المرتفعة على المنافسين، والتفاوض الدبلوماسي، يمكن للمغرب أن يتغلب على هذه العقبة ويرسخ مكانته كقوة اقتصادية صاعدة، إنها لحظة تاريخية تتطلب رؤية طموحة وتكاتفا بين الحكومة والقطاع الخاص لكتابة فصل جديد من النجاح الاقتصادي

إرسال تعليق

أحدث أقدم