الهشاشة السياسية



علي الغنبوري 

لو أخبرك أحدهم قبل عشر سنوات أن المغرب سيكسب معارك سياسية ضد دول كبرى مثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا، وسيجبرها على تبني طرح مغربية الصحراء، فمن المحتمل أن تصفه بالجنون، ولو أضاف أن المغرب سيستضيف المونديال وسيمتلك البنية التحتية واللوجيستية اللازمة لذلك، فقد تعتبر هذا الكلام ضربا من المستحيل، وحتى مشاريع كبرى مثل القطار فائق السرعة "تيجيفي" كانت تواجه رفضا واسعا، خصوصا من النخب السياسية، بما فيها بعض التيارات اليسارية، التي اعتبرته مشروعا بلا جدوى اقتصادية أو ليس من الأولويات، بل وذهب بعضهم إلى تأسيس جمعيات وحركات سياسية لمعارضة هذا المشروع، هذا الرفض ربما كان انعكاسا للوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي كان عليها المغرب آنذاك، حيث لم يتوقع حتى أكثر المتفائلين تحقيق هذا النجاح التنموي الذي يحققه المغرب اليوم.


من المؤكد أن الدولة بذلت جهودا استثنائية في سبيل تطوير المغرب، حيث تحول على مدى العقد الأخير إلى ورش مفتوح على جميع الأصعدة، مطارات عالمية، موانئ متطورة، شبكة طرقات حديثة، مناطق صناعية متقدمة، مشاريع التحول الطاقي، سدود، محطات تحلية مياه، نهضة في صناعة السيارات، ونمو متسارع في السياحة، هذه المجالات وغيرها شكلت قاعدة قوية لتحقيق نجاحات متتالية جعلت المغرب يحتل موقعًا مميزا على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولا أحد يستطيع إنكار هذا النجاح الاقتصادي والتنموي الباهر.


كما أن الدولة أظهرت إرادة حقيقية لتحسين الوضع الاجتماعي من خلال سياسات عمومية واضحة ومبادرات طموحة، أبرزها مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، فهذا المشروع يفترض أن يكون درعا يحمي الفئات الهشة ويضمن استقرارها الاجتماعي عبر أوراشه الأربعة، فالدولة تدرك أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق بدون تنمية مجتمعية شاملة، ولذلك نجدها منشغلة بمعالجة المعضلات الاجتماعية عبر برامج متنوعة وتدخلات متعددة.


هذه النجاحات، كان من المفترض أن تقوي الدولة بشكل كبير جدا من الناحية السياسية، غير أن الواقع يعكس صورة مختلفة، فمستويات الهشاشة السياسية في المغرب بلغت حدودا غير مسبوقة، مما يجعل خطر الانفجار المجتمعي أمرا محسوسا لدى الجميع، ورغم الصمت المجتمعي الظاهر، إلا أن "المياه الكثيرة التي تجري تحت الجسر" تشير إلى وجود احتقان اجتماعي يتنامى في صمت ويحسه الجميع.


هذه المفارقة تثير تساؤلا أساسيا، كيف يمكننا ان نحقق هذا المستوى من التطور الاقتصادي والتنمية، وأن تعاني في الوقت نفسه من ضعف سياسي بهذا الشكل؟ البحث عن أصل العطب يقودنا مباشرة إلى المجال السياسي، فالضعف المؤسساتي، وانعدام الثقة بين المواطن والمؤسسات كلها عوامل أساسية في تفسير هذه الظاهرة.


في السياق نفسه، يمكننا استحضار مقولة المفكر الفرنسي ألكسيس دو توكفيل: "الخطر الأكبر الذي يواجه الديمقراطية هوان تبدو السلطة منفصلة عن الشعب"  وهذا ربما ينطبق على الحالة المغربية، حيث يظهر أن النجاحات الاقتصادية لم تترجم إلى مكاسب سياسية واجتماعية ملموسة، و المسؤول الأول و الأخير عن هذا الوضع هي الحكومة الحالية ، فحكومة اخنوش بتركيبتها و ممارستها و فعلها الحكومي المعطوب لم تستنفذ فقط رصيدها الشعبي ، بل هي في صدد الاجهاز على كل المجهودات التي قامت به الدولة في سبيل تنمية المغرب و دعم الاستقرار، فالحكومة خلقت جوا من الرفض الشعبي منقطع النظير ، حيث اصبحنا امام حالة رفض هستيرية لكل ما يصدر عن هذه الحكومة سواء كان إيجابيا او سلبيا.


فغياب الحس السياسي و البعد الاجتماعي عن هذه الحكومة ، و الممارسات الاستعلائية لبعض وزرائها ، و ظهور ملفات الاحتكار وتضارب المصالح ، وانخراطها في الدفاع عن مصالح اللوبيات الاقتصادية على حساب الفئات الشعبية ، وامتناعها عن محاربة الفساد والاحتكار ، وضربها للتوازن المؤسساتي ، وتهميش المعارضة المؤسساتية ، كلها عوامل جعلها تتحول الى أداة حقيقية لاستنزاف الدولة ، فالحكومة الحالية تسير بسرعة كبيرة نحو تكريس هشاشة سياسية خطيرة على الجميع بدون استثناء ، فهي لم تعد قادرة على التمييز بين المصلحة الوطنية و المصلحة الفئوية التي باتت تمثلها.


اعتقد انه من غير المقبول ان يستمر  هذا الاستنزاف غير المبرر لكل النجاحات و المكتسبات التي حققتها الدولة بشق الانفس على كافة الأصعدة ، لصالح فئة أنانية لا تعير اهتماما للمصلحة الوطنية و لا ترى سوى مصالحها الضيقة ، ما تحقق يستلزم نهج سياسي آخر يعيد للوضع السياسي توازنه و يضمن قوة و صلابة سياسية حقيقية للدولة .

إرسال تعليق

أحدث أقدم