العدالة و التنمية و الانفجار الكبير..محاولة للاستقراء مستقبل الحزب !!




 علي الغنبوري

الكل كان مجمع على سقوط العدالة و التنمية انتخابيا ، لكن لا احد توقع هذا السقوط المدوي و الكبير للحزب ، و بهذه الطريقة المهينة ، و التي تعرض لها مختلف مرشحيه و خاصة قياداته ، و على رأسهم سعد الدين العثماني الامين العام للحزب و رئيس الحكومة ، الذي فشل بشكل دراماتيكي في الحصول على مقعد برلماني .


سقوط العدالة و التنمية الانتخابي ، زكته و كرسته ، حالة الارتياح الكبير التي سادت صفوف الشعب المغربي ، الذي لم يتوانى في التعبير عن فرحه و سعادته بهذه النتيجة ، التي جسدت حسب عدد من المواطنين ، التعبير الصريح عن خيبة الأمل الكبيرة في هذا الحزب ، و في وعوده الزائفة اتجاههم .


الخسارة الكبيرة للعدالة و التنمية انتخابيا ، أعقبتها حالة ارتباك كبيرة  داخل الحزب ، بدات معالمها تتكشف منذ الساعات الاولى لظهور النتائج الانتخابية ، حيث ظهر العثماني في ندوة صحفية ، شاحب الوجه ، غير قادر على تفسير ما جرى ، في محاولة يائسة لايجاد اي شماعة يعلق عليه فشل حزبه الانتخابي ، لتتوالى الخرجات من طرف أغلب قيادات الحزب ، في مقدمتها بنكيران الذي دعا العثماني بطريقة معينة لتقديم استقالته ، و امينة ماء العينين التي ناشدت قيادة حزبها بالاعتراف بالهزيمة ، و بتنظيم مؤتمر اسثنائي عاجل ، و الرباح الذي اقر بالهزيمة و قدم الاعتذار للشعب المغربي ، و عدد اخر من القيادات التي بدأت تطالب بالمحاسبة ، كما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بعدد من تصريحات المنتسبين للحزب الذين عبروا عن صدمتهم من النتائج و دعوا إلى استقالة القيادة الحزبية .


امام هذا الوضع المرتبك و حالة الاحتقان التي سادت اوساط منتسبي حزب العدالة و التنمية ، خرج العثماني و رفاقه في الأمانة العامة ، ببلاغ للراي العام الوطني ، يعلنون فيه عن استقالة جماعية للأمانة العامة للحزب ، و دعوة عاجلة لعقد مؤتمر اسثنائي للحزب .


الى هنا يمكن للمتتبع ، ان يخرج بانطباع اولي حول طبيعة الوضع داخل العدالة و التنمية و الطريقة التي يتم من خلالها تدبير الأزمة الانتخابية داخل الحزب ، و يمكنه أن يؤكد ان تصرف قيادة الحزب  طبيعي و يحمل بصمات ديمقراطية ، تؤكد على تحملهم للمسؤولية و اقرارهم بالهزيمة ، و تقديمهم لاستقالتهم .


لكن ما صدر عن قيادة الحزب و تعاطيهم العلني مع أزمة النتائج الانتخابية ، لا يشكل الا الجزء الظاهر من جبل الجليد ، و لا يعكس حقيقة ما يجري فعليا داخل الحزب ، فتقديم الاستقالة الجماعية ربط بالابقاء على تدبير شؤون الحزب إلى غاية عقد مؤتمر استثنائي ، بمعنى ان القيادة الحالية ، هي من سيشرف على تنظيم المؤتمر ، و هي من سيحضر لتفاصيله .


زيادة على كل هذا  فالمؤتمر الاستثنائي ، لن يأتي باي جديد ، فتركيبته ستكون من كل الأجهزة و التنظيمات القائمة الان ، و التي تتحمل المسؤولية بشكل مشترك مع قيادة الحزب ، بمعنى ان المؤتمر لن يخرج عن دائرة ما هو موجود حاليا ، و لن يصدر عنه الا مزيد من تعقيد الأمور التنظيمية و السياسية لهذا الحزب .


ما سيشهده حزب العدالة و التنمية ، في المستقبل القريب ، هو صراعات و تناحرات كبيرة ، بين مختلف توجهاته و عناصره ، ستعمل على تقاذف المسؤوليات فيما بينها ، و ستتصارع فيما بينها لاحتلال المواقع التنظيمية ، و تصريف الأحقاد و المشاكل الشخصية التي سادت علاقتها في السنوات الأخيرة .


سيطرة الجيل المؤسس على مقاليد القيادة الحزبية لسنوات طويلة ،و هيمنته على مختلف المواقع الانتخابية ، منع بشكل رهيب ، اي تداول بين النخب داخل الحزب ، و جعل الحزب بدون نخب شابة قادرة على قيادة الحزب و تجديد صورته لدى المجتمع ، خاصة في ظل انغماس مختلف شباب الحزب في الريع الحزبي الذي كرسته سنوات التدبير الحكومي و الشان العام المحلي ، و ابتعادهم عن المنطق النضالي الذي ميز الحزب في بداياته .


ما يعيشه حزب العدالة و التنمية من مستقبل تنظيمي غامض ،  سيعرف  العدالة  كذلك رجوع الطرح الاكثر تطرفا فيما يخص المرجعية الدينية للحزب ، و الذي يقوده مجموعة من صقور حركة التوحيد و الاصلاح الذين كانوا دائما يتحينون الفرص للانقضاض على الحزب .


طبيعة المرحلة المقبلة داخل العدالة و التنمية ، و التي ستطبعها بلا شك صراعات تنظيمية قوية ، لا يستبعد أن تشكل أرضية خصبة لانشقاقات كثيرة ، تؤسس لمرحلة تفريخ عدد من الأحزاب ذات التوجه الاسلامي ، المنبثقة عن حزب العدالة و التنمية .


ما يعيشه حزب العدالة و التنمية ، هو نتيجة حتمية ، لحالة الاستقواء السياسي الذي ميز عمل الحزب خلال فترة التدبير الحكومي ، و خطاب قياداته الاستعلائي ، بالإضافةالى حالة الانغلاق السياسي التي سادته ، و التي عززتها توجهات الحزب الأنانية المنتصرة لذاته الحزبية فقط،  و التي ادت الى تأكل قاعدته التنظيمية ، و تبخر شعبيته ، و سقوطه الانتخابي المهين .


إرسال تعليق

أحدث أقدم